في زمن تتسارع فيه وتيرة التطور التقني وتتزايد أهمية البيانات كأساس للاقتصاد الرقمي، تشهد المملكة العربية السعودية ولادة منصة تقنية جديدة قد تغير وجه التعامل مع البيانات في المنطقة. فقد أعلنت منصة “گوڤرناتا” عن انطلاقها الرسمي كأول منصة سعودية الصنع لحوكمة البيانات، متخصصة في تقديم حلول متقدمة باللغة العربية للمؤسسات الحكومية والخاصة.
بداية جديدة بقيادة خبرات متنوعة
تقف وراء هذه المبادرة الطموحة شخصيات لها تاريخ حافل في القطاع التقني السعودي، حيث يقود المشروع جمال محند، المدير التشغيلي السابق لشركة “فوديكس” الرائدة في مجال إدارة المطاعم، والذي ساهم في توسع الشركة لتخدم أكثر من 30 ألف مطعم عبر 25 دولة وإدارة فريق يضم أكثر من ألفي موظف.
إلى جانب محند، يشارك في تأسيس المنصة جهاد سنان، الخبير في مجال تحليل البيانات وحوكمتها بخبرة تمتد لعشرين عاماً عبر شركات استشارية عالمية، وخالد المضيفر، عالم البيانات المتمرس الذي قضى أكثر من 12 عاماً في قيادة أطر حوكمة البيانات والذكاء الاصطناعي الوطنية في القطاعين العام والخاص.
حل شامل للتحديات المحلية
تأتي منصة “گوڤرناتا” استجابة مباشرة للحاجة المتزايدة في السوق السعودي لحلول حوكمة البيانات المتوافقة مع المتطلبات المحلية. فالمنصة مصممة خصيصاً للامتثال لمعايير مكتب إدارة البيانات الوطني (NDMO) التابع للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، إضافة إلى فهرس البيانات الوطني (NDI) وقانون حماية البيانات الشخصية (PDPL).
تتميز المنصة بواجهة سهلة الاستخدام باللغة العربية، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تسهيل عملية تبني التقنيات المتقدمة للمؤسسات المحلية. كما توفر أدوات آلية للمساعدة في الامتثال للوائح البيانات المحلية، مع توفير أدوات مركزية لتنظيم وتصنيف البيانات وتحسين جودتها وإدارة الوصول إليها بشكل آمن.
التقنيات المتقدمة في خدمة الواقع المحلي
ما يميز “گوڤرناتا” عن المنافسين الدوليين هو قدرتها على الكشف التلقائي عن البيانات الشخصية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة الكبيرة، مما يمكن مسؤولي البيانات الشخصية من قبول أو رفض المصطلحات المكتشفة بسهولة. هذا النهج يجمع بين الدقة التقنية والمرونة البشرية في اتخاذ القرارات.
تتبع المنصة إطار تصنيف البيانات المتوافق مع معايير مكتب إدارة البيانات الوطني، والذي يشمل التصنيفات: سري للغاية، وسري، ومقيد، وعام. هذا التصنيف الدقيق يضمن إدارة آمنة ومتوافقة وفعالة للبيانات.
رؤية طموحة للمستقبل
لا تكتفي “گوڤرناتا” بكونها منصة محلية، بل تحمل طموحات عالمية واضحة. فالشركة تخطط لإطلاق منتجات إضافية مبنية على أساس برنامج حوكمة البيانات الأساسي، تشمل منصة موحدة لاتخاذ القرارات المؤسسية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي تستهدف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أوسع.
يعلق جهاد سنان، أحد مؤسسي المنصة، بقوله: “تعمل گوڤرناتا كبوابة للمؤسسات لاستخدام الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي التوليدي. تكمن نقاط قوتنا الفريدة في قدرتنا على الاتصال بمصادر بيانات الشركة، وتفسير البيانات الوصفية التقنية، وإثراؤها بالبيانات الوصفية التجارية، وتصنيفها كلياً وفقاً لمعايير مكتب إدارة البيانات الوطني.”
توقيت مثالي مع رؤية 2030
يأتي إطلاق “گوڤرناتا” في وقت مثالي يتزامن مع تسارع تطور الاقتصاد الرقمي في المملكة ضمن رؤية 2030. فالمنصة لا تمثل مجرد حل تقني، بل تدعم جهداً وطنياً لبناء مستقبل قائم على البيانات.
من خلال كونها متوافقة عالمياً وذات صلة محلية، تمكن المنصة الشاملة الجهات من تحويل الامتثال المستمر إلى ميزة تنافسية، مما يسهل الطريق أمام المؤسسات للاستفادة من قوة التحليل المتقدم واتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة وملائمة.
البنية التقنية المتقدمة
تتميز “گوڤرناتا” بكونها منصة جاهزة للحوسبة السحابية يمكن استضافتها بالكامل داخل المؤسسة أو تشغيلها كخدمة برمجيات خالصة (SaaS). توفر المنصة مجموعة شاملة من البرامج الآلية المصممة لترقية عملية اتخاذ القرار من خلال التحليل المتمحور حول البيانات.
تعمل المنصة حالياً مع شركات استشارية رائدة في المنطقة ومدمجي الأنظمة المحليين والدوليين في تنفيذ حلولها. إضافة إلى منتجاتها البرمجية الفريدة، تقدم “گوڤرناتا” خدمات استشارية لحوكمة البيانات وإدارتها مصممة خصيصاً لتلبية متطلبات مكتب إدارة البيانات الوطني.
تسهيل التطبيق العملي
أحد أهم المزايا التي تقدمها “گوڤرناتا” هو سهولة التطبيق، حيث يمكن تشغيل المنصة خلال دقائق معدودة بواجهة بديهية مناسبة للمستخدمين التقنيين وغير التقنيين على حد سواء. تستفيد المنصة من البنية التحتية الموجودة دون الحاجة لأجهزة إضافية أو فريق متخصص.
كما توفر المنصة نموذجاً آمناً بالكامل معزول عن الشبكات الخارجية للبيئات السرية التي تتطلب أمان سيبراني صارم، مع برنامج إعداد وتدريب وتكوين شخصي من خلال شركاء معتمدين مع دعم مستمر.
أتمتة العمليات المعقدة
تسهم “گوڤرناتا” في أتمتة ومراقبة وتنظيم العديد من عمليات مكتب البيانات التي تستغرق وقتاً طويلاً، مثل مشاركة البيانات ووثائق مكتب البيانات وفهرس البيانات الوطني ومجموعات البيانات وغيرها، مما ينتج عنه طريقة أكثر حوكمة وتنظيماً.
تقوم المنصة بفهرسة جميع مصادر البيانات في مكان واحد، حيث تضم أكثر من 10 موصلات أصلية وتعمل باستمرار على إضافة المزيد، مما يسهل على المؤسسات إدارة بياناتها بشكل مركزي وفعال.
الأثر المتوقع على السوق السعودي
يتوقع أن يكون لإطلاق “گوڤرناتا” أثر كبير على السوق السعودي، خاصة في ظل التزايد المستمر في متطلبات حوكمة البيانات والحاجة للاستعداد لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي. النهج العربي الأول والتركيز على الامتثال لمكتب إدارة البيانات الوطني يعالج فجوة كبيرة في السوق.
مع استمرار عمل المؤسسات في جميع أنحاء المملكة على تلبية متطلبات حوكمة البيانات المتزايدة الصرامة، تقدم “گوڤرناتا” حلاً عملياً يجمع بين الخبرة المحلية والمعايير العالمية.
خلاصة
تمثل منصة “گوڤرناتا” قصة نجاح سعودية في مجال التقنية المتقدمة، حيث تجمع بين الخبرات المحلية العميقة والرؤية العالمية الطموحة. من خلال تقديم حل شامل لحوكمة البيانات باللغة العربية ومتوافق مع المعايير الوطنية، تضع المنصة الأسس لمرحلة جديدة من التطور التقني في المملكة.
في عصر أصبحت فيه البيانات الوقود الحقيقي للاقتصاد الرقمي، تقدم “گوڤرناتا” للمؤسسات السعودية الأدوات اللازمة ليس فقط لإدارة بياناتها بكفاءة أكبر، بل أيضاً للاستعداد لمستقبل مدفوع بالذكاء الاصطناعي. هذا الإنجاز يعكس التزام المملكة بكونها رائدة في التحول الرقمي ويؤكد قدرة المواهب السعودية على الابتكار وتقديم حلول تقنية متطورة تلبي احتياجات العصر الرقمي.