تصدر الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، مشهد التبرع بالدم في المملكة العربية السعودية عندما أعلن إطلاق الحملة الوطنية السنوية للتبرع بالدم، وكان أول المشاركين فيها بتبرعه شخصياً.
قدوة ملهمة في العمل الإنساني
تبرع ولي العهد بالدم ضمن حملة سنوية أطلقها سموه، امتداداً لرعايته الكريمة للعمل الإنساني، وتشجيعاً لجميع فئات المجتمع على المبادرة بالتبرع، امتثالاً لقوله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}.
هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها من القيادة السعودية، فقد سبقتها مواقف إنسانية سخيّة في مختلف المجالات، ومنها تلقي لقاح فيروس كورونا (كوفيد-19)، وتسجيل خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد في برنامج التبرع بالأعضاء.
رؤية طموحة نحو التبرع الطوعي الكامل

تسعى الحملة الوطنية إلى تحقيق هدف طموح وهو رفع نسبة التبرع الطوعي إلى 100% من إجمالي المتبرعين، تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030 نحو مجتمع حيوي يتمتع بحياة صحية متكاملة. هذا الهدف يتماشى مع استراتيجية شاملة لتطوير القطاع الصحي في المملكة.
تهدف المبادرة إلى تحقيق 100% من التبرعات الطوعية بما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030 لمجتمع نابض بالحياة يتمتع بالرفاهية الشاملة. هذا التوجه يعكس فهماً عميقاً لأهمية بناء نظام صحي مستدام يعتمد على مشاركة المجتمع.
أرقام مشجعة في رحلة التبرع
حققت المملكة نتائج مشجعة في مجال التبرع بالدم، حيث بلغ عدد المتبرعين بالدم في عام 2024 أكثر من 800 ألف متبرع. هذا الرقم يُظهر الوعي المتزايد لدى المواطنين والمقيمين بأهمية هذا العمل الإنساني.
تكمن أهمية هذه الأرقام في أن كل وحدة دم يتم التبرع بها يمكن أن توفر مكونات حيوية كالبلازما والصفائح الدموية التي يحتاجها المرضى والمصابون في مختلف أنحاء المملكة.
التقدير الديني والمجتمعي للمبادرة
أثنى مفتي عام المملكة السعودية، رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، على تبرع ولي العهد بالدم، مشيراً إلى أن هذه الحملة تأتي امتداداً لجهود قيادة المملكة الرشيدة في رعاية العمل الإنساني.
من المنظور الشرعي، يجوز التبرع بالدم إذا كان لا يلحق ضرراً بالإنسان المتبرع، كما لا حرج في طلبه من مسلم أو غيره، لأجل إنقاذ حياة المضطرين. بل أكثر من ذلك، فإن التبرع بالدم في الحالات التي يباح فيها يُعد صدقة، ولا يبعد أن يكون المتبرع بذلك له أجر المجاهد أو أكثر أجراً.
الأهداف الاستراتيجية للحملة
تسعى الحملة الوطنية إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية مهمة:
الاكتفاء الذاتي: تعزيز الوعي بأهمية التبرع الطوعي بالدم، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الدم ومكوناته، لضمان توفير إمدادات آمنة ومستدامة تلبي احتياجات المستفيدين في مختلف مناطق المملكة.
إنقاذ الأرواح: الهدف الأسمى هو إنقاذ الأرواح، حيث يسهم التبرع الواحد في إنقاذ الأرواح من خلال توفير وحدة دم أو بلازما أو صفائح دموية.
تعزيز المشاركة المجتمعية: المبادرة تركز على تعزيز المشاركة المجتمعية، وترسيخ ثقافة التبرع الطوعي، ودعم الجهود الوطنية في القطاع الصحي.
التكنولوجيا في خدمة التبرع
تستفيد المملكة من التقنيات الحديثة لتسهيل عملية التبرع، ومن ذلك تطبيق “واتين” الذي يخبر الناس عن أقرب بنك دم لهم، ومتى يحين موعد تبرعهم، وكم مرة تبرعوا. هذا التطبيق يستخدمه وزارة الصحة السعودية تحت منصة صحتي، المنصة الوطنية للتبرع بالدم.
الفوائد الصحية للمتبرع
التبرع بالدم لا يفيد المحتاجين فحسب، بل يحمل فوائد صحية عديدة للمتبرع نفسه:
تحسين صحة القلب: التبرع بالدم يساعد على تقليل نسبة الحديد في الدم لأنه يُعتبر أحد أسباب الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين.
الوقاية من الأمراض: أثبتت الدراسات أن الذين يتبرعون بدمهم مرة واحدة على الأقل كل سنة هم أقل عرضة للإصابة بأمراض الدورة الدموية وسرطان الدم.
تجديد خلايا الدم: يساعد التبرع بالدم في تجديد خلايا الدم والتخلص من بعض الكوليسترول الزائد عن طريق حرق ما يقارب 650 سعراً حرارياً.
الكشف المبكر عن الأمراض: يساعد التبرع بالدم في الكشف عن وجود بعض الأمراض من خلال إجراء الفحوصات الطبية قبل التبرع.
متطلبات وشروط التبرع
وضعت الجهات الصحية شروطاً واضحة للتبرع بالدم لضمان سلامة كل من المتبرع والمتلقي:
الشروط العامة: أن تكون نسبة الهيموجلوبين للرجال من 14-17 جم، وللنساء من 12-14 جم، وأن يكون النبض بين 50-100 في الدقيقة، وأن لا تزيد درجة الحرارة عن 37 درجة مئوية.
موانع التبرع: المصابون بأمراض معدية مثل الإيدز والتهاب الكبد ب وج والزهري والملاريا، والمصابون بأمراض الدم الوراثية، والمصابون بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان.
إجراءات السلامة والأمان
تحرص المملكة على تطبيق أعلى معايير السلامة في عمليات التبرع، حيث تُجرى تحاليل وفحوص دقيقة على كل وحدة دم لمعرفة الفصيلة والتأكد من خلوها من الأمراض المعدية، مثل الإيدز والتهاب الكبد ب وج والزهري والملاريا.
كما تُجرى اختبارات توافق بين وحدات الدم المنقول ودم المرضى؛ وذلك للتأكد من سلامة وفعالية الدم.
التأثير الإيجابي على القطاع الصحي
تساهم مبادرة ولي العهد في تطوير القطاع الصحي بشكل شامل، حيث أكد وزير الصحة السعودي فهد الجلاجل أن حملة ولي العهد تعكس التزام القيادة الراسخ بدعم العمل التطوعي، وترسيخ قيم التكافل الاجتماعي.
نظرة مستقبلية: رؤية 2030 والتحول الصحي
تتماشى هذه المبادرة مع خطة شاملة لتطوير القطاع الصحي في إطار رؤية 2030. إن برنامج تحويل القطاع الصحي تحت رؤية 2030 تم إطلاقه في 2021 بهدف إعادة هيكلة القطاع الصحي ليكون نظاماً صحياً شاملاً وفعالاً ومتكاملاً.
تشمل رؤية 2030 أيضاً استثمارات كبيرة في البنية التحتية للرعاية الصحية، إضافة 26,000 إلى 43,000 سرير مستشفى لدعم النمو السكاني المتوقع أن يصل إلى 45 مليون بحلول 2030.
الاستجابة الشعبية والمجتمعية
لقيت مبادرة ولي العهد استجابة واسعة على مستوى المجتمع السعودي، حيث انتشرت على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي. يُعتبر تبرع ولي العهد بالدم بمثابة رسالة مباشرة وقوية تؤكد على قيمة المبادرات التطوعية وتحفز جميع أفراد المجتمع على تبني ثقافة البذل.
تحديات وحلول مبتكرة
رغم النجاحات المحققة، تواجه المملكة تحديات في مجال التبرع بالدم تتطلب حلولاً مبتكرة. من هذه التحديات ضرورة تجديد مخزون الدم باستمرار، حيث إن مخزون الدم يحتاج إلى تجديد مستمر لأن مكونات الدم لها مدة صلاحية محدودة.
دور التوعية والتعليم
تُعد التوعية جزءاً أساسياً من استراتيجية التبرع بالدم في المملكة. تركز الحملات على شرح أن التبرع بالدم إجراء طبي تطوعي يساهم في إنقاذ الأرواح له أنواع وشروط، ومهم للمرضى وله فوائد عديدة للمتبرع.
خاتمة: نحو مستقبل أكثر إنسانية
تمثل مبادرة ولي العهد محمد بن سلمان للتبرع بالدم نموذجاً ملهماً للقيادة بالمثال في العمل الإنساني. هذه المبادرة لا تقتصر على كونها حملة للتبرع بالدم فحسب، بل تُجسد رؤية شاملة لبناء مجتمع صحي ومتكافل يضع الإنسان في المقدمة.
من خلال هذه الخطوة، تؤكد المملكة العربية السعودية التزامها بالقيم الإنسانية والدينية العميقة، وتُظهر كيف يمكن للقيادة أن تُحدث تأثيراً إيجابياً حقيقياً في حياة الناس. إن تبرع ولي العهد بالدم ليس مجرد عمل رمزي، بل خطوة عملية نحو تحقيق أهداف رؤية 2030 في بناء مجتمع حيوي يتمتع بصحة متكاملة.
هذه المبادرة تُلهم الملايين في المملكة وخارجها، وتُذكرنا بأن أعظم القادة هم الذين يقودون بالمثال، ويضعون مصلحة شعوبهم فوق كل اعتبار. في عالم يشهد تحديات صحية متزايدة، تقدم السعودية نموذجاً يُحتذى به في كيفية بناء أنظمة صحية مستدامة تعتمد على التكافل المجتمعي والمشاركة الطوعية.
إن نجاح هذه الحملة سيضع المملكة في مقدمة الدول التي حققت الاكتفاء الذاتي في التبرع بالدم، مما يعكس نضج المجتمع السعودي ووعيه بأهمية العمل الإنساني التطوعي. وبهذا، تستمر المملكة في رسم مستقبل مشرق يجمع بين التقدم التقني والقيم الإنسانية الأصيلة.